منتدي q8-one.com  

العودة   منتدي q8-one.com > ۝ المنتـدى الــعـــام ۝ > المنتدى العام

المنتدى العام للنقاش الهادف والبناء والمواضيع العامه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 2010-01-15, 12:04 AM
الصورة الرمزية الصقر الابيض
الصقر الابيض الصقر الابيض غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: في قلب كل من يعرفني
المشاركات: 140
الصقر الابيض is on a distinguished road
افتراضي مذكرات مصطفي محمود ....

الحلقةالأولى .. بذرة الشك




تمهيد واجب
من كان يصدق ذلك؟
أخيراً بعد عشرين عاماً من الاختفاء وقبل وفاته.. يتكلم.. سأل عنه الناس.. وتكلموا.. ويئسوا.. ثم سألوا.. واندهشوا.. وصمتوا.. تعددت الشائعات فمنها أنه تم إبعاده لأسباب سياسية ومنها أن مرضاً لعيناً أصابه وأجلسه فى البيت، ومن روج أنه ترك عائلته ووطنه وسار هائماً على وجهه فى البلاد يبحث عن اليقين.
أخيراً وبعد عشرين عاماً من العزلة وقبل وفاته.. يتحدث.. ويطل على الناس.. ويروى.
أكثر من أثار الجدل فى مصر خلال القرن العشرين.. وأكثر الشخصيات التى تعرضت للهجوم والشائعات طوال حياته.. أخيراً يتكلم صاحب أكثر الكتب الدينية إثارة للجدل فى القرن العشرين (الله والإنسان) كتابه الأول الذى حوكم من أجله فى شهر رمضان وقد كان بداية لموجة التكفير، التى عانى منها المفكرون فى مصر خلال الخمسين عاماً الأخيرة.
مصطفى محمود.. العالم، المفكر، الفيلسوف، الطبيب، الفقيه، الصحفى، السياسى، الكاتب، الأديب، يتكلم ويروى ويتحدث ويعلم أجيالاً افتقدوا القدوة وبحثوا عنها كثيراً، وحتى الآن لم يعثروا عليها.
ننشر هنا حقائق لأول مرة من خلال مذكراته التى روى منها جزءاً كبيراً وتم استخراج باقى هذه المذكرات من خلال أعماله وكتاباته، وهنا يجيب عن تساؤلات كثيرة ظلت بدون إجابات حول طفولته وجمعية الكفار التى كونها فى الثانية عشرة من عمره وكيف كانت حشرات الصراصير بداية رحلة الشك الطويلة، وهل بالفعل وصل مصطفى محمود إلى اليقين التام وما المنهج الذى استخدمه وكيف كان لوالده تأثير قوى عليه وكيف احتلت ابنته أمل مكانة الأم عنده.. وهل كان الموساد الإسرائيلى سبباً فى فشل زيجاته، وهل كان له يد فى الشائعات التى دارت حوله وهل حاول اغتياله؟
نكشف علاقته بكل من (هيكل.. صلاح حافظ.. عبدالوهاب.. صلاح جاهين.. هتلر.. السادات.. إحسان عبدالقدوس.. لويس جريس.. عبدالناصر.. لوتس عبدالكريم.. بنت الشاطئ.. روزاليوسف.. ماركس والشيوعية).
عن أزمة الشفاعة التى لم تنته حتى الآن يتحدث.. قصة البرنامج الذى كانت تخلو شوارع مصر من المارة أثناء إذاعته.. ولماذا أراد مصطفى محمود أن يصور للناس عذاب القبر بالصوت والصورة؟
أين مصطفى محمود؟
لم يكن اقترابنا منه سهلا أبدا.. هو ناسك فى صومعته الآن.. غير مسموح لأحد بالتطفل أو الاختراق.. لذلك كان السماح لنا بالاقتراب أمراً غير عادى.. ذهبنا فوجدناه ولم نجده.. فقد كان جسده الذى نحل يملأ المكان.. وصوته الذى وهن يخترق سمعنا.. لا يشغله شىء عن قضاياه التى تفرغ لها.. ابتعد عن المشكلات التى تشغل المصريين هذه الأيام.. الفلاسفة دائما لا ينظرون إلى التفاصيل وإنما يرجعون كل المشاكل إلى العلل الكبرى، وعلل مصر والأمة العربية والإسلامية تتلخص الآن من وجهة نظره فى (تدنى الأخلاق، والبعد عن الدين، والفرقة).
اقتربنا منه فى اليوم الذى شهد مولده والعائلة تحتفل بعيد ميلاده الـ٨٨ فى السابع والعشرين من شهر ديسمبر عام ٢٠٠٨.. شاهدناه.. راقبناه.. حاورناه.. جادلناه واستمتعنا بالخصوصية التى خصنا بها هو وعائلته الكريمة.. طفنا فى صومعته الخاصة التى لم تتجاوز شقة مساحتها ٨٥ متراً عبارة عن حجرتين وصالة صغيرة، واجهنا صعوبة شديدة فى التحرك داخل أرجاء صومعته بسبب تلال الكتب المترامية، التى كادت تخفى معالم الجدران.
لم يتغير برنامجه طوال فترة اقترابنا منه فهو بعد الاستيقاظ فى الثامنة صباحاً يتناول وجبة إفطار خفيفة فى السرير «جبنة ومربة وعيش توست وشاى بلبن أو نسكافيه»، ثم يحصل على حمام دافئ، وبعد ذلك يبدأ بقراءة الجرائد، ويحصل على جولة قصيرة ليتابع أخبار العالم أمام التليفزيون، لينكبّ بعدها على كتبه ودفاتره يدون أفكاره مستنداً إلى لوحه الخشبى الشهير «مصطفى محمود لم يجلس على مكاتب أبدا» لا يتوقف إلا لتناول الغداء فى الخامسة والذى لم يتغير أبدا عن السمك المشوى يتلوه تفاحة وموزة، ليستمر فى اجتهاده بين كتب الفلسفة والدين وعلوم الكون، ويحاول تفسير بعض الآيات الكونية التى وردت فى القرآن الكريم ويتناول وجبة العشاء فى العاشرة مساء وهى مثل الإفطار ليواصل اجتهاده إلى الثانية عشرة مساء.
وعن عزلته هذه تقول ابنته أمل إنها ليست بجديدة عليه فقد كنا أطفالاً صغاراً لا نستطيع دخول غرفته.. والذى تغير هذه الأيام أن فترة العزلة قد طالت، لدرجة أنه يظل لأيام لا يتحدث مع أحد، مما يدفعها للقلق عليه فتذهب لتطمئن عليه فتجده فى حالة تأمل وسكون تام أو غرق فى القراءة، وعندما أظهرت قلقها عليه ذات مرة طمأنها وقال: «لا تقلقى على فأنا لا أعيش وحدى فالله معى ولا يتركنى».
إلا أن الأزمة الأخيرة التى أرقدته داخل المستشفى الذى يحمل اسمه، حيث عانى من التهابات شديدة فى قرنية العين.. ربما حسم أمره وقتها وقرر أنه آن الأوان أن يخرج من عزلته ويفتح دفاتر أسراره.
هناك صور لا تنمحى من الذاكرة أبداً مثل:
■ متى فقدت الأمل فى الحلم ورضيت بالواقع؟
■ ما اللحظة الفاصلة بين أنا القديم الحالم الساعى لتغيير العالم وبين أنا الذى صرت
■ فى أى يوم وفى أى ساعة وفى أى لحظه فهمت أن الحلم حلم والواقع واقع أكان ذلك أيام الجامعة أم فى دهاليز المجلة «سنة أولى تدريب» وأنا أرى القيم تتساقط أمامى الواحدة تلو الأخرى على يد أساتذتى الكتاب الكبار الذى كنت أحلم يوماً بالحديث لهم
■ أم حين كفرنى من كفرنى، لمجرد أن اعترضت على شعار الإسلام هو الحل وأشاعوا تنصيرى
■ أم حين شعرت بالغربة لأول مرة عن أهلى وأنا فى بلدى واخترت العزلة؟
مصطفى محمود


يتابع
__________________
لـــــــــــيــــــــــــــــه......؟؟؟؟؟

التعديل الأخير تم بواسطة Silver ; 2010-01-15 الساعة 04:16 PM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 2010-01-15, 06:38 AM
لمحه حب لمحه حب غير متواجد حالياً
مشرفه دنيا الماكولات والمشروبات
 
تاريخ التسجيل: Jun 2009
المشاركات: 3,384
لمحه حب is on a distinguished road
افتراضي

يعطيك العافيه وننتظر المزيد عن الشخصيه الرائعه لدكتور مصطفي محمود
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 2010-01-15, 04:47 PM
الصورة الرمزية الصقر الابيض
الصقر الابيض الصقر الابيض غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: في قلب كل من يعرفني
المشاركات: 140
الصقر الابيض is on a distinguished road
افتراضي

شكرا لمحه الحب علي المرور الكريم
وباذن الله وتوفيقه سنقوم بوضع حلقه كل يوم من مذكرات هذا العالم الكبير
__________________
لـــــــــــيــــــــــــــــه......؟؟؟؟؟
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 2010-01-15, 04:50 PM
الصورة الرمزية الصقر الابيض
الصقر الابيض الصقر الابيض غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: في قلب كل من يعرفني
المشاركات: 140
الصقر الابيض is on a distinguished road
افتراضي

الحلقة الثانية.. الهروب من الطفولة




إن سر القلق:
أننا نعيش بلا دين .. بلا إيمان وأن ديننا هو من الظاهر فقط.. كلمات على الألسن فى المناسبات وصلوات تؤدى بحكم العادة.. فاعرف نفسك تعرف ربك، أصبح الآن بحكم الوصول لابد من المرونة والتكيف.. حتى لا نصطدم ونشتبك ولابد لنا من المداهنة والمجاملة والتملق واكتساب الناس بالكذب عليهم، لابد أن ننافق الذين نكرههم لأن لهم فائدة ونتجنب الذين نحبهم لأنهم يعطلوننا فى الطريق.. بالفعل إن نجاحنا يعتقلنا.. ينتهك حرماتنا وفى الوقت الذى نظن فيه أننا ننجح ونحقق أحلامنا إذا بنا فى الحقيقة نفقد هذه الأحلام.. ونفقد أنفسنا وكل هذا من أجل إشباع حوافز الطعام والجنس وحب السيطرة.
مصطفى محمود
مازالت ذكريات الطفولة تنساب.. حكايات الطفولة غير العادية لفيلسوف الشرق.. فيقول: «طفولتى كانت غريبة وعجيبة.. كانت لا تستقر أبدا أو تعيش على الأرض التى أقف عليها، كانت سلسلة من الأحلام الجميلة والشيقة التى أغوص داخلها، طفولتى كانت سلسلة من الهروب، هروب من واقعى المريض العليل أو هروب من مرحلة الطفولة نفسها، التى بطبيعتها ضيقة تحصر الطفل بحكم السن داخل حدود صغيرة جدا،
بينما كانت طبيعتى نفسها أكبر من المرحلة العمرية، فكانت تراودنى أحلام كبيرة وضخمة.. لا تقل فى ضخامتها عن جبال غابات الأمازون التى تمنيت مشاهدتها وتمنيت رحلات للغابات الاستوائية التى كنت أقرأ عنها فى الكتب والقصص وأظل ساعات طويلة أعيش فى حالة من الخيال الذى يدفعنى لأن أصدق أننى ذهبت إلى هناك فى ثوان معدودة ومارست اللعب مع القرود والغزلان وسارعت بالهروب من الأسود والنمور قبل أن تبتلعنى.. وكنت أترك لقلبى وعواطفى وعقلى العنان.. بلا قيود..
وما شجع هذه الخيالات والأحلام طبيعة المناخ الثقافى الذى عشته وعاشته أسر الطبقة المتوسطة فى هذه الفترة الزمنية فى الربع الأول من القرن الماضى، حيث كنت أداوم على مشاهدة روايات طرازان والسندباد والسندريلا فى أفلام السينما والتى بسببها كنت أقترض بعض مصروفات إخوتى لأنى أنفق مصروفى بالكامل فى أيام معدودة من أجل مشاهدتها أكثر من مرة وعشقت قصص السندباد وربنسون كروزو وأعجبت بقصة تحطيمه لمركبه ليعيش فى الغابات بين الأشجار الكثيفة والقرود والحيوانات، وتمنيت أن أفعل مثله لأنه ليس هناك أجمل وأروع من أن يعيش الإنسان على الفطرة والطبيعة التى خلقها الله بدون تدخلات وعبث البشر بها والتى تفسدها باسم التحضر والتكنولوجيا.
(ومن الممكن القول بأن المناخ الثقافى لهذه الفترة كان سبب نضوج عقلية مصطفى محمود) ولكنه قال: كان أحد الأسباب فقط، فأبى شكّل الدعم الأكبر فى هذه المرحلة.. فمن المشاهد التى لا أستطيع حتى اليوم أن أنساها أبدا أنه بينما كان الآباء من جيراننا يدخلون بيوتهم وفى يد الواحد منهم كيس من الفاكهة أو الخضار، كان أبى يترك شؤون البيت هذه لأمى، فأبى لم يدخل البيت أبدا وهو يحمل «ربطة فجل»، كان يحمل دائما فى يديه المجلات والكتب..
ولا أنسى عندما دخل وهو يحمل ربطة كتب ومجلات ملفوفة بخيط دوبارة وأعطاها لى بدون أن يذكر لى ماذا أفعل بها.. كنت مازلت طفلا صغيرا وبالتالى كانت النتيجة المنطقية أن أقوم بتقطيع معظم هذه الكتب، إلا أننى وأنا ألعب وأمرح على بقايا مذبحة الكتب وقعت عيناى على إحدى صفحات مجلة وجدتها تحمل صوراً ورسومات شيقة لقصة مصورة.. أعجبتنى جدا.. وأردت أن أعرف باقى القصة.. ودفعنى عقلى الصغير إلى محاولة إعادة تجميع وترتيب القصة كلها.. وكانت بداية القراءة معى.. وكان هذا ما يريده أبى الذى كان يراقبنى من بعيد، بينما كان من فى مثل عمرى لا يستطيعون حتى الرضاعة.
كما أن هناك مشاهد فى طفولتى لا يمكن أن تنسى أو تنمحى من ذاكرتى فقد كنت أحب وأعشق المدرسة ويوم الجمعة كان يوم الإجازة الأسبوعى من المدرسة، أو كما كنا نسميه يوم المسامحة، وكنت أتمرد على هذه التعليمات وأذهب فى الصباح وأقفز من فوق السور إلى داخل المدرسة حتى لا يرانى الخفير وأتجول فى الفصول حتى يحين موعد أذان العصر ثم أمضى إلى أصدقائى وأقص عليهم أننى كنت فى المدرسة اليوم فيقولون غير مصدقين «اليوم هو المسامحة» فأقول «أنا معنديش مسامحة أبداً»
وكان أحب الأيام لقلبى عندما أرتدى الزى الجديد فى أول يوم دراسى والأيام التى كنت فيها أقود مراكبى التجارية إلى الهند أثناء تساقط الأمطار الغزيرة بمنتصف فصل الشتاء فى فناء المدرسة فقد كنت أصنع مراكب من الورق وأسيّرها فى المستنقعات الصغيرة والبرك التى خلفتها الأمطار وأتخيل أنها ذهبت إلى الهند وأنى أقودها وأثناء الرحلة تقابلت مع الهنود ونشبت بينى وبينهم صداقة حميمة وعشت مع البسطاء فى أكواخهم الموجودة فى أعالى الجبال وركبت الفيل وتجولت به وسط الغابات،
وبعد انتهاء الرحلة عادت وهى تحمل ملابس وطرحاً هندية جميلة وعاجاً وسواكاً وبخوراً ولكن كما كانت هذه القصص الغريبة والعجيبة وغيرها سبباً فى شعورى بالسعادة وأننى أختلف عن الآخرين.. كانت سبب متاعبى المستمرة لمدى غيرة أصدقائى منى لأننى لا أشاركهم ألعابهم وصراعهم وتصوروا أننى أتكبر عليهم رغم أنى كنت أكن لهم كل الحب والتقدير ولكنى طفل ضعيف لا أقوى على مسايرتهم وممارسة ألعابهم.. وهنا وجدنا أن هناك سؤالاً مهماً وهو: لماذا يذكر مصطفى محمود أحلام طفولته بهذا الكم الهائل من التفاصيل والأماكن؟
ووجدنا الإجابة.. لأنه هنا يظهر الفرق عند الدكتور مصطفى محمود.. فهذه التفاصيل هى الخلاصة بمعنى أنه ما من طفل لا يحلم لكن لا يضع كل الأطفال أمامهم هدفاً لتحقيقه.. أما مصطفى محمود فهو لم يترك حلماً واحداً إلا وحققه فيما بعد.. مثلا أحلامه بزيارته للهند والتى حققها فيما بعد عندما سافر للهند وأقام هناك فترة طويلة تعلم فيها معظم أسرار الحضارة الهندية مثل الفنون والعبادات الهندية.. وأحلامه عن الغابات الاستوائية وحبه للحياة الأولية للإنسان (الفطرية) وهو ما حققه بالفعل فيما بعد فى زيارته الشهيرة إلى وسط أفريقيا والتى عاد منها سيرا على الأقدام.
ولكن زاد حنقهم وحقدهم على أن يواصل حكاياته عندما علموا أنى غارق فى قصة حب تجاه فتاة كانوا يتقاتلون عليها، وقد كنا نتجمع أنا وأصدقائى وأبناء الجيران فى بير السلم وكان معظمهم أصدقائى فى المدرسة وجيرانى فى شارع الحلو بطنطا ونتبارى لإبراز مواهب كل منا وكانت تجلس معنا تلك الفتاة ناصعة البياض ذات الشعر الأشقر ابنة الجيران «عدلية» وكانت جميلة جدا وعمرها تسع سنوات ووالدها يعمل معاون إدارة زراعية وكانت تبهرها مواهبى التى تفوقت وتميزت بها على أبناء الجيران وأى طفل آخر فى عمرى،
فقد كنت أغنى وأقرأ القرآن بصوت يشبه صوت الشيخ محمد رفعت - كان صوتى جميلا- وبعدها علمت أنها تبادلنى نفس الشعور بعد أن قبلتنى أول قبلة فى حياتى فى خدى تحت بير السلم، كنت أحكى لهم جميعا– ولها بالذات- حكايات من وحى الخيال فقد كانت تجلس ككليوباترا أو نفرتيتى بيننا وتطلب من كل طفل أن يحكى قصة من بنات أفكاره لترى من يستحق حبها وكانت حكايتى هى التى تفوز دائما وبعد أن أنهى حكايتى كانت تنظر إلىّ نظرة لم أنسها حتى الآن.. نظرة انبهار..
وأقسم بأننى لا أعرف كيف كانت تأتينى أفكار هذه القصص والحكايات ولكننى اكتشفت أن حبى لها هو ما كان يدفعنى لأتفوق على باقى الأطفال ودائما كنت أحمد الله لأنها تختار أن تسمع قصصاً وذلك لأنها إذا طلبت أن نتبارز ونتصارع لتعرف مدى قوتنا ومن يستحق حبها فكنت سأخسر المنافسة لا محالة، وعلى مدى الأيام والشهور كنت أولع بحبها وازداد إعجابها بى وعندما أردت أن أهديها شيئاً فكرت كثيرا وكنت أسأل إخوتى الذين علموا بالأمر، الذى صار حديث أطفال الشارع والمدرسة جميعا وأطلقوا عليه «قصة حب محمود وعديلة» ولكن استقر رأيى فى النهاية على نوع الهدية، الذى كان كتاباً يحتوى على أشعار فى الحب وبعدها بأيام قليلة وجدتها تهدينى أول هدية حصلت عليها فى حياتى من الجنس الآخر وكانت عبارة عن «فيل عاج صغير» وفرحت به جدا لأنى كنت - كما ذكرت - أحب الحيوانات.
ولأن عديلة كانت جميلة جدا فكان صعباً على جميع الأطفال الذين فعلوا المستحيل من أجل أن تنظر إليهم نظرة واحدة أن يصدقوا أنها فضلتنى عليهم، وكانوا كلما شاهدوا هذا الحب فى عيونى أو عيونها يُجنّون، وشرعوا فى مضايقتى بأن يرددوا عبارة «من همه بيحب أد أمه» وذلك لأنها كانت تكبرنى بسنتين، وفى النهاية اتفقوا مع بعضهم ولم يجدوا طريقة لكى يخلصوا منى سوى أن يضربونى علقة ساخنة ونفذوا اتفاقهم عند عودتى من المدرسة ولم يكتفوا بذلك بل أصدروا «فرمان ومرسوم عيالى» بعدم دخولى الشارع ولكن تدخلت المفاوضات التى رضخوا لها بصعوبة شديدة بعد تعهدى بأن أبتعد عنها ولا أحاول رؤيتها وأنا ضعيف لا حول لى ولا قوة ولا أستطيع أن أحاربهم فى لعبة الضرب والحرب، وعاش معى هذا الحب فترة تجاوزت السبع سنوات رغم كل محاولات خصومى من الضرب والطرد والتهجير من الشارع، أى أنك تستطيع أن تقول إن حبى الأول هذا قد انضم إلى رفاق الطفولة الأخرى مع القصص والكتب والمجلات والأفلام.
ثم دخلت الثانوية أو كما كان يطلق عليها التوجيهية وبدأت القراءة تؤتى ثمارها.. فقد بدأت فى كتابة الشعر والقصص والروايات وظهرت اهتمامات أيضا بالعلوم لدرجة أنى أنشأت معمل اختبار داخل بدروم المنزل وأغرقت نفسى ليل نهار فى التجارب العلمية والتى كانت ستودى بحياتى أكثر من مرة بسبب حدوث بعض الحرائق وانفجارات صغيرة كل فترة.. وأغرقت نفسى بالعلوم التى كنت شغوفا بها مثل الكهرباء والبطاريات وجهاز التقطير والميكروفون والرسم على الورق وتنفيذ اختراعات لأجهزة، أى أننى كنت لا أرتاح فى فترة الإجازة وهو ما دفع والدى إلى أن يبيع هذا المعمل لخوفه على..
وأتذكر أننى كنت أتمنى دائما زيارة الغابات الاستوائية التى رأيت صورها لأول مرة داخل كتاب الجغرافيا الذى درسناه فى السنة الرابعة بالثانوية وقد تصفحت هذا الكتاب الكبير باهتمام شديد أكثر من عشر مرات، وعندما كان يسأل المدرس فى مادة الجغرافيا كان الجميع يقولون لن يستطيع أحد أن يجيب غير مصطفى محمود فهو يعلم موضع كل حرف داخل الكتاب حتى إننى حصلت على سمعة كبيرة فى المدرسة بأننى محب لمواد الطبيعة والجغرافيا والعلوم «وهذا كان سبباً فى أننى كنت الأول على المدرسة فى الثانوية» وقرأت كثيرا عن أفريقيا وبصفة خاصة جنوب السودان ونيجيريا ولم اكتف بذلك بل كنت أنزع صور القرود والحيوانات الأفريقية لأزين بها حجرتى بدلا من كبار الفنانين والمطربين ونجوم الكرة وأبطال الرياضات المختلفة التى كان إخوتى يعلقونها داخل حجراتهم.
وبعد تفوقى فى المرحلة الثانوية التحقت بكلية الطب جامعة القاهرة التى كانت دراستها قاسية وتحتاج إلى مجهود مضن إضافة إلى اعتراض أهلى الشديد على هذا الأمر لكونهم كانوا يرغبون فى التحاقى بكلية الحقوق- التى كانت تخرج الوزراء والباشوات وقتها- وتحملت كل ذلك لأنه كان لى أهداف أخرى من دراسة الطب غير أن أكون طبيبا.. فكما ذكرت فى السابق أن رحلتى من الشك إلى الإيمان أو اليقين صاحبتنى فى سن صغيرة..
الشك ظهر لأنى أريد أن أفهم ما يدور حولى، لم يكن طبيعيا أن يتقبل عقلى كل الأشياء والمعتقدات المتوارثة بسهولة.. مثلا مثالى الشهير الذى ذكرته من قبل هم علمونى وأنا صغير أن كل (مخلوق) فى الدنيا له خالق.. كل مصنوع وموجود له من صنعه ومن أوجده.. فكنت أنا أتساءل فى عناد: إذا كان كل شىء له خالقه فمن خلق الله ومن أوجده؟.. فإذا أجبتمونى بأنكم مؤمنون بأنه موجود بذاته فلماذا لا تؤمنون بأن أى شىء آخر مثل الدنيا قد أتى بذاته..
طبعا أنا ذكرت من قبل أن هذه الطفرات الذهنية وهذه المناطق المعقدة كنت أصمم عليها ليس من قبيل الزهو بعقلى وأفكاره المتطورة ولكن من أجل أن أصل إلى يقين يزيد من إيمانى.. وكانت أفكارى أو أسلوب تفكيرى أحد أسباب اختيارى لهذه الكلية وهو ما تحقق بالفعل فيما بعد.. فبعد أن تعرفت على البكتريا التى تسبب الأمراض.. وكيفية علاجها.. وبعد وقوفى أمام الجثث الموجودة داخل المشرحة بالساعات.. وجدت نقطة البداية للإجابة عن كل ما يدور فى فلك الحياة وكل ما يدور حولى وعرفت جيدا من أين جئنا وإلى أين سنذهب وكان الوقوف أمام الموت فى المشرحة البداية الحقيقية للإيمان..
ومن المضحك أن لهذا السبب تعلقت بشدة بالمشرحة، فقد كنت أول طالب يدخلها وآخر من يغادرها، وفى يوم من الأيام كنت داخل المشرحة ولم أشعر بالوقت وأغلقوا على أبوابها دون أن أشعر أو يشعروا بوجودى ولكنى عندما انتهيت من العمل ووجدت الأبواب مغلقة وكان الجو بارداً جدا ناديت على الحراس بأعلى صوتى لمدة ربع ساعة حتى سمعونى وفتحوا لى الأبواب وصارت القصة تتردد داخل أرجاء الكلية فى اليوم التالى: وبسبب تلك القصة أصدر عميد الكلية تعليمات للأمن بأن يتفحصوا المشرحة جيدا قبل غلقها وفوجئت عند دخولى المدرج ذات مرة متأخرا وكان الدكتور صادق يشرح للطلبة بأن قال لى ادخل يا «مشرحجى» ومن بعدها وجدت الجميع يطلقون علىّ لقب المشرحجى .. وتعلقت بالتشريح وبهذا العلم العجيب..
وأتذكر أننى من عشقى للجثث والتشريح قمت بشراء جثة إنسان ميت بـ٥٠ قرشا وحملته بصعوبة وكان وزنه ثقيلا لأنه تغمره مادة الفورمالين التى تحفظ الجثة من التآكل أو إصدار رائحة كريهة.. وذهبت إلى المنزل وأنا سعيد جدا بالجثة التى أحملها وبمجرد دخولى حجرتى وضعتها فى حوض من الفورمالين لكى ينشفها وعندما شاهدتنى أمى «رقعت بالصوت» وأصابها الهلع والخوف وفقدت الوعى وأسرعت لها وعندما فاقت صرخت فى وجهى «إيه المصيبة اللى انت جايبها البيت دى؟.. بنى آدم ميت.. حرام عليك.. حرام عليك.. ترضى لما أموت حد يعمل فىّ كده..
ويبقى إيه العمل لو أهله راحوا المقابر وملقوش جثته» فضحكت مما قالت وقبلت يدها أطلب منها السماح لأنى تسببت فى فزعها وقلت لها سامحينى يا أمى لابد أن أذاكر على هذه الجثة دروس التشريح طوال إجازة الصيف لكى أنجح بتفوق، وبعد ساعات من المحاولات بإقناعها بأن هذا لصالحى وافقت على أن تبقى الجثة فى البيت ولكن على شرط أن أقوم بتنظيف حجرتى بنفسى طوال فترة وجودها بالبيت لأنها لن تقترب منها ووافقت وأغلقت على باب حجرتى ووضعت تحت سريرى جثة إنسان رجل ميت عاش معى أربعة أشهر طوال فترة إجازة الصيف وكنت كل يوم أقوم بوضعها على منضدة التشريح وأتدرب عليها وأدرس كتب التشريح وبعد الانتهاء أضعها تحت السرير فى الحوض الملىء بالفورمالين
وبعد انتهاء فترة إجازة الصيف أصبحت لا أحتاج للجثة المهلهلة من العمل بها طوال أربعة أشهر فقمت ببيعها لأحد أصدقائى بـ١٥ قرشاً ولكن رائحة الفورمالين التى ظللت أشمها طوال أربعة أشهر تسببت لى فى أزمة صحية حيث ظللت بعدها سنوات طويلة أعالج من النزلات الشعبية.. فالجثث والمشرحة لها فضل كبير فى تغيير طريقة تفكيرى..
وذلك لأن المفكر الحقيقى لا يجب أن يؤمن بالأشياء على طول الخط أو يكفر بها على طول الخط ولكنه بطبيعته يعيد النظر دائما فى الأشياء ويصحح الأخطاء مهما كانت ودائما يختلف المفكرون عن الذين ينظرون للأشياء بنظرة قلبية بلا أى شك لأن كل شىء من حولهم معرض للشك حتى يثبت له العكس والإنسان الطبيعى والعادى حين يبدأ مشواره ورحلة الحياة فهو يبدأ بالمسلمات الأولية التى أمامه مباشرة وليس أى شىء آخر ولا يشغل تفكيره بـ«لماذا وكيف ومتى» ولكن الأشياء التى تقع تحت حسه هى التى يراها ويسمعها ويتعلم منها ولكنى تمردت على كل هذه الطريقة التقليدية والروتينية وبدأت فى طرح الأسئلة التى كنت دائما لا أجد إجابة عنها فرغم انهماكى فى مواد كلية الطب إلا أنه كان يشغلنى دائما البحث عن إجابات لأسئلتى.. فى البحث عن اليقين.
لم يمنعنى كل هذا عن ممارسة هوايات كنت أحبها فقد كنت منذ الصغر أحب الموسيقى وكان صوتى جميلاً ووجدت أن الكثير من الفنانين تخرجوا فى كلية الطب ومن الممكن أن نرجع السبب فى كل ذلك إلى أن الأطباء دائمو الوقوف أمام الموت وهم أقرب إلى الميت من الآخرين فيرون كل يوم بأعينهم الموت وهو يقبض أرواح البشر فى الوقت الذى يفر فيه الجميع منه ويهرولون حتى الأقارب وأقرب الأقربين والأصدقاء فى حين أن الطبيب الذى يعد أشجع إنسان تأتى به البشرية هو الوحيد الذى يواجه الموت ويحدق فى عينيه متحديا ومحاولا إنقاذ المريض هذا فضلا عن أنه الوحيد الذى يحضر ميلاد الإنسان ورحيله
وأول من يستقبل الإنسان فى الوجود وأيضاً آخر من يودعه من الوجود وبالفعل هى لحظات رهيبة تكون قادرة على أن تخرج من داخلنا مارداً كبيراً اسمه الكاتب والموسيقار والشاعر والراقص وقد ولد الفنان داخلى قبل هذه الظروف منذ أيام والدى الذى عشقته وكان مصدر الإلهام الأول فى حياتى فقد كان يحول بصوته الجميل الأرقام الحسابية إلى نغمات جميلة وهو يقرأ ويراجع أعمال وحسابات الموظفين ولكنى ترجمت مشاعرى الفنية إلى أشياء واقعية وملموسة داخل مقام السيد البدوى بطنطا الذى نشأت بجواره وفى رحابه مع حلقات الذكر والتواشيح الدينية والابتهالات الصوفية والطبل والدفوف التى تصاحب أهل الذكر وبعد ذلك بدأت أعشق العزف على الناى فى شباك غرفتى أثناء الظلام والسكون والهدوء الذى يسبق دخول الطائرات وسماع دوى صوت القنابل وانفجارات غارات الحرب العالمية الثانية وكنت أشعر بأن هذا أنسب وقت لأخرج من داخلى مارد عازف الناى دون أن يراودنى شعور الخوف والاختباء فى الخنادق التى كان يسارع الناس إليها فى ذلك الوقت وكنت فى هذه الأيام بنهائى كلية الطب.
وقد شاء القدر أن أتعرف على الأسطى عبدالعزيز الكمنجاتى والراقصة فتحية سوست وكانا أصحاب فرقة لإحياء الأفراح والطهور واتفقا معى أن أنضم لفرقتهما ووافقت دون مقابل مادى وهذا ما أثار دهشتهما ولكنى قلت لهما أنا أهوى العزف فقط ولا أنوى احترافه، كان لا يجب أن أخبرهما بالسبب الحقيقى كنت أفضل أن أحتفظ به لنفسى.. فقد كنت فى ذروة انفعالى التفكيرى.. عدم اليقين بأى شىء نهائى– أنا كنت أحتاج أن أخوض التجارب، كل شىء أجربه وأحكم عليه.. وكان يأتى إلى البيت الأسطى عبدالعزيز وعندما تفتح له والدتى يقول لها قولى للدكتور الليلة فيه فرح فى درب البغالة أو فى الأنفوشى أو فى السيدة وكانت والدتى تنزعج جدا وكانت تعنفنى وتغضب لما أقوم به ولم تستوعب أنى أريد أن أترك نفسى للتجارب والبحث عن اليقين.
وفى أحد الأيام حدث شىء طريف للغاية لم أنسه حتى الآن وكنت دائما أحكيه لأولادى ونضحك كثيرا من طرافة الموقف، حيث كنت أعزف مع الفرقة فى أحد الأفراح الذى كنا نحييه على سطح أحد المنازل بالأنفوشى وصادف أنه كان هناك مجموعة من الشباب يشاهدون الفرح من على السطح المقابل لهذا المنزل وفوجئت بأحد زملائى فى الكلية لا أتذكر اسمه يقف بينهم ويقول لى وهو ميت من الضحك «الله يا دكتور.. سمعنى يا دكتور.. اشجينى يا دكتور.. حلوة أوى الحتة دى يا دكتور.. يا سلام يا دكتور.. عشان خاطر الرقاصة عدها تانى» وتوقعت أن المسافة من الإسكندرية للقاهرة ستمنعه من الحضور وإبلاغ أحد ولكنى فى اليوم التالى عندما ذهبت إلى الكلية وجدت أن طلبة كلية الطب ليس لهم حديث سوى هذا الموضوع وطبعا سمعت «تلقيح وكلام زى السم» وتردد بأن مصطفى محمود كان يحيى فرحاً بالأمس فى الأنفوشى بالإسكندرية حتى وصلت القصة إلى الدكتور صادق وكنت أحترمه وأقدره
وهو من أطلق على لقب المشرحجى وطلبنى فى مكتبه ودار بيننا حديث ونقاش طويل يحاول أن يقنعنى بأن هواية عزف الناى شىء جميل ولكن لا يليق بى وأنا على وشك التخرج فى كلية الطب وسأصبح طبيباً أن أحترف العزف فى الأفراح ولكنى شرحت له وجهة نظرى فلم يقتنع وخرجت من عنده لأجد الأسطى عبدالعزيز الكمنجاتى يطلبنى لفرح جديد.. ووافقت.. وعزفت بعد ذلك فى أفراح كثيرة.

يتابع

__________________
لـــــــــــيــــــــــــــــه......؟؟؟؟؟

التعديل الأخير تم بواسطة Silver ; 2010-01-15 الساعة 04:58 PM
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 2010-01-15, 05:24 PM
لمحه حب لمحه حب غير متواجد حالياً
مشرفه دنيا الماكولات والمشروبات
 
تاريخ التسجيل: Jun 2009
المشاركات: 3,384
لمحه حب is on a distinguished road
افتراضي

يعطيك العافيه تقبل مروري ونتظر المزيد
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 2010-01-15, 10:59 PM
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
TO BE OR NOT TO BE
 
تاريخ التسجيل: Feb 2008
الدولة: عايش على النت
المشاركات: 31,162
admin is on a distinguished road
افتراضي

اسلم يغالى على هذه المذكرات


تباع واستمر

تحياتى
__________________
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 2010-01-16, 12:27 AM
الصورة الرمزية الصقر الابيض
الصقر الابيض الصقر الابيض غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: في قلب كل من يعرفني
المشاركات: 140
الصقر الابيض is on a distinguished road
افتراضي

شكرا لمحه حب علي المتابعه الاكثر من رائعه
شكرا سامه علي المرور الكريم
__________________
لـــــــــــيــــــــــــــــه......؟؟؟؟؟
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 2010-01-16, 12:30 AM
الصورة الرمزية الصقر الابيض
الصقر الابيض الصقر الابيض غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: في قلب كل من يعرفني
المشاركات: 140
الصقر الابيض is on a distinguished road
افتراضي

الحلقةالثالثة.. حكايتى مع الموت




■ يا صاحبى ما آخر الترحال؟ وأين ما مضى من سالف الليالى؟ أين الصباح وأين رنة الضحك؟! ذابت كأنها رسم على الماء.. أو نقش على الرمال.. كأنها لم تكن.. كأنها خيال.. على متاع كله زوال.. على مسلسل الأيام والليالى فى شاشة الوهم ومرآة المحال..
■ إلهى يا خالق الوجد من نكون.. من نحن.. من همو.. ومن أنا. وما الذى يجرى أمامنا.. وما الزمان والوجود والفنا.. وما الخلق والأكوان والدنا.. ومن هناك ومن هنا.. أصابنى البهت والجنون..
■ ما عدت أدرى وما عاد يعبر المقال.
مصطفى محمود
صمت الدكتور مصطفى محمود طويلاً عندما طرحنا عليه سؤالاً عن بداياته الحقيقية للكتابة والصحافة والأدب الذى خرج بشكل واضح فى مؤلفاته من روايات ومسرحيات وكتابات فكرية ونقدية فتنفس الصعداء ونظر فى الأفق البعيد..
وقال كان أول كتاب أتعلم منه قواعد الكتابة ومبادئ القصة هو القرآن الكريم وما حمل من قصص الأنبياء والرسل، والذى اهتممت بتناوله بشغف منذ أن تعلمت القراءة والتى تعلمتها قبل أن أتعلم أو أتمكن من الكتابة،
فقد كانت القراءة فى حياتى تسبق الكتابة، ومنه كانت البداية، وقد كان أول قارئ لكتاباتى وناقدى الوحيد هو صديق الطفولة فرج، وهو كان صديقى الوحيد بالرغم من أننى كان لى زملاء كثيرون، ولكن الأصدقاء أنتقيهم عملاً بحديث رسول الله الذى كان يردده والدى على مسامعنا أنا وإخوتى «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل» وقد ظل فرج صديقى الوحيد ولم نفترق حتى بعد التحاقه فى المرحلة الثانوية بمدرسة الصنايع العسكرية والتحاقى أنا بمدرسة طنطا الثانوية ولم نفترق لأننا كونا مصنعاً صغيراً، فقد كنت شغوفاً بالكمياء والطبيعة وكان هو يجيد صناعة القوالب من الصلب والنحاس وخلافهما من المعادن فوجدت أننا فريق يكمل كل منا الآخر،
وأتذكر أن فى تلك الفترة الزمنية كانت المدرسة مع بداية العام الدراسى قد قامت بتسليمنا محتويات معمل صغير للكيمياء، وعلى كل طالب أن يقوم بدفع مبلغ تأمين، ويقوم أيضاً برد المعمل إلى المدرسة فى نهاية العام والحصول على مبلغ التأمين، ولكننى لم أرد المعمل مرة أخرى ووضعته فى بدروم البيت، وقمت بتجاربى المعملية الفاشلة فى أحيان كثيرة، كما ذكرت قبل ذلك، والتى كانت تتسبب فى تمزيق ملابسى الجديدة والقديمة وكنت أفاجأ بأمى تصرخ فى وجهى وتقول: «إنت مش خايف إنك تموت من اللى انت بتعمله ده»
وبالطبع كان فرج يصاحبنى فى تلك التجارب المعملية بمحتويات معمله من مجمرة والتخمير، وكانت هناك تجارب معملية ناجحة وقمنا من خلالها باستخراج العطور والروائح الجميلة ومبيدات قاتلة للصراصير، تلك الحشرة الضئيلة التى كنت ومازلت أكرهها بشدة، وكانت هناك أيضاً تجارب معملية فاشلة ترتب عليها الانفجارات التى جعلت أبى يقوم ببيع المعمل خوفاً على من الموت المحتوم الذى كان يطاردنى، ويطارد فرج مع كل انفجار وكما ذكرت كان فرج هو القارئ الوحيد لكتاباتى،
وفى أحيان كثيرة كان يشير إلى أن أغيّر من مضمون قصة وتحويلها من اللامنطق إلى المنطق حتى يتقبلها عقله، وأيضاً مرحلة النشر لما أكتب كانت مرحلة مبكرة فقد بدأت منذ أن كنت أقضى رحلة فى مصيف بورسعيد، وأرسلت إلى أخى مختار خطاباً أتكلم فيه عن الأيام التى أقضيها فى المصيف، وقد كان صديق أخى وقت ذاك محمود محمود الصياد الذى أصبح من نجوم تجويد القرآن الكريم بعد ذلك،
وقرأ الخطاب وقال لأخى إن أخاك مصطفى سيكون له شأن كبير فى مجال الكتابة والأدب، وكانت شهادة فرحت بها كثيراً عندما أبلغنى بها أخى، والمرة الأخرى التى خرجت فيها كتاباتى إلى النور قبل أن أتخطى المرحلة الثانوية عندما أعلنوا فى مدرسة طنطا الثانوية عن مسابقة باللغة الإنجليزية وكان موضوعها يدور فى عن كتابة قصة عن أكثر الأحلام رعباً، وكانت مفاجأة أن أحصل على الجائزة الأولى التى كانت عبارة عن «خمسين قرشاً وشنطة مدرسية» وكان الحلم الذى ساعدنى فى الحصول على هذه الجائزة التى كانت كبيرة جداً فى هذه الأيام أننى كنت مريضاً ودرجة حرارتى منخفضة وضربات قلبى ضعيفة
ولذلك استدعت أسرتى الطبيب وكان ثقيل السمع عندما وضع السماعة على صدرى لم يسمع نبضات قلبى فظن أننى فارقت الحياة فتوجه إلى الأسرة بوجه شاحب يتصبب منه العرق قائلاً البقاء لله لقد مات ذلك الولد المسكين وما كان إلا أن «رقعت» أمى بالصوت وحزن جميع أفراد العائلة على فراقى وكفنونى ووضعونى فى النعش ولكننى استعدت وعيى بعد وقت قصير وفتحت عينىّ لأجد نفسى فى ظلمة دامسة وملتماً بالكفن فشعرت بالرعب الشديد لما أنا فيه وثارت فى ذهنى أسئلة متعددة وكان بينها: أين أنا؟ وكيف سأخرج من هذا النعش؟ وعندما استعادتنى الأسرة كانت فرحة بلا وصف وربما كان هذا الحادث داعيا لأن يطلقوا على لقب الممسوس أو الملبوس وسهل لى لقب المشرحجى فيما بعد.
وكان هذا الحادث إضافة لحادث وفاة أخى التوأم سعد الذى توفى قبل أن أراه ضمن عدة أحداث كانت محفورة داخلى وساهمت فى تشكيل أفكارى، ومنذ أن تناولت ذلك فى قصة «أغرب حلم مرعب» وأنا مؤمن بأن الموت هو الحقيقة والخلاص من هذا العالم وأن التابوت ليس الصندوق الخشبى الذى يحمل بداخله الموتى أو «الحجرى» فى العصر الفرعونى الذى تحفظ به المومياوات ولكنه يمثل الجسد الذى تسكن بداخله الروح وبمجرد خروجها يصبح هذا التابوت فارغاً وينتهى كل شىء.
التحقت بكلية الطب، وخلال الدراسة مارست مجموعة من المواهب الخاصة بجوار دراستى بها كالغناء وعزف الموسيقى فى الأفراح كما ذكرت قبل ذلك كالناى، والعود الذى ذهبت إلى مدرس ليدربنى للعزف عليه، ونشرت بعض كتاباتى الأدبية بالجرائد والمجلات، ولكن كل هذه الأمور كان صعباً على أسرتى تفهمها خاصة والدتى بعد أن أصبحت مسؤولة عن البيت ومن فيه بعد وفاة أبى حيث كنت أصغر العائلة سناً وأكثرهم محبة للنكتة والضحك فكنت محبوباً من جميع إخوتى سواء أشقائى أو والدتى،
وكانت أمى تصرخ فى وجهى وتقول «إنت هتموت نفسك بنفسك.. هو انت صحتك حمل كل ده» وكنت أشفق عليها خاصة وأنا أرى فى عينيها نظرات الخوف علىّ ولكنى كنت أتصرف بوازع من الرفض الداخلى الذى أتصرف به تجاه المسلمات، كذلك من أجل التميز والتفرد واكتشاف الجديد، فقد كانت رغبة جامحة لا يستطيع أحد أن يتصدى لها، وفى إحدى هذه الثورات المتكررة من والدتى اكتشفت أننى يجب أن أنسحب وأعيش فى حياة مستقلة لأننى لا أستطيع أن أمارس ما أريد بمنتهى الحرية فقمت بتحضير حقيبة ملابسى فى إصرار على الرحيل ولم يستطع أحد أن يقنعنى بالرجوع عن قراراتى التى كنت اتخذتها بعد تفكير طويل فتركونى متمنين أن أوفق فيما أريد..
تركونى لأواجه مصيرى، فذهبت أبحث عن بنسيون مناسب لإمكانياتى المادية المحدودة والمتواضعة حتى وجدت «بنسيون بسيط» فى حلوان فقمت بتأجير حجرة به وعملت محررا صحفياً بإحدى المجلات، وكان يجب أن أعيش حياتى بطريقتى، وليس بالطريقة التى يعيشها الصحفيون، وبدأت مرحلة عجيبة وغريبة وجديدة وقاسية جداً فى حياتى، فقد عملت بعد ذلك محرراً صحفياً بجريدة «النداء» براتب اثنى عشر جنيهاً شهرياً، وهى جريدة وفدية وكان يملكها ياسين سراج الدين، ووجدت أننى أعيش حياة الصعلكة التى يعيشها معظم الراغبين فى العمل بمهنة الصحافة فى بداية حياتهم وما لبثت إلا أن ظهرت ضريبة قراراتى وكل هذا العناد بإصابتى بمرض «التيفود»، ودخلت مستشفى الحميات بالعباسية
وما إن أفقت من غيبوبة المرض حتى وجدت أخى مختار على رأس السرير الذى أنا طريح فوقه يقول لى «أدى أخرة المشى البطال وعدم سماع النصيحة والعناد.. خف بسرعة عشان ترجع البيت.. أمك هتموت عليك» وقد كنت فى ذلك التوقيت قد قضيت خارج البيت حوالى عام كامل، ولكننى تعلمت من هذه التجربة الكثير والكثير، وكان أهم ما خرجت به أن العمل بالصحافة دون الحصول على شهادة أو وجود مصدر رزق آخر تصاحبه أحلام المؤلف والأديب لا يكفى،
خاصة أن المادة التى يحصل عليها الصحفى بعد عناء ويقوم بكتابتها يمكن أن يراها تزال أمامه وتحجب من النشر بمجرد ظهور إعلان مفاجئ لأمواس حلاقة أو روج أو دواء أسبرين، ووجدت أن مواصلة دراستى فى الطب الذى انقطعت عنه سنة كاملة وتعلم كيف أعالج المرض أكثر فائدة، ووجدت أيضاً أن فى عالم الصحافة الأحلام فى اتجاه، والأدب والمجد فى اتجاه، والهلس الصحفى فى اتجاه آخر، ومن الممكن أن يضيع عمرى فى أشياء لا تغنى ولا تسمن، وأننى لابد أن أنهى دراستى بالطب، وبعد ذلك أمارس الأدب والكتابة وأنه سيختلف الأمر بين أن أكتب وأنا لا شىء، وبين أن أكتب وأنا طبيب.
ومرت سنوات وأصبحت معروفاً بين الوسط الصحفى وأصبح لى أصدقاء من بينهم كامل الشناوى، الذى قال لى بعد ذلك فى أزمة كتابى «الله والإنسان» جملته الشهيرة «إنت بتلحد وانت على سجادة الصلاة» وكان كامل الشناوى صاحب فضل كبير علىَّ، حيث كان أول من قام بنشر كتاباتى ومقالاتى فى «آخر ساعة»، وكنت أقوم بالإمضاء عليها بالحروف الأولى من اسمى «م.م» وأتذكر فى هذه الفترة أن صديقى العزيز أنيس منصور، كان يقوم ببعض المعاكسات معى، حيث كنت أنتهى من كتابة مقالى بتوقيع «م.م» فكان هو ينتظر حتى ينتهى الجميع من أعمالهم ويذهبوا، وينزل إلى المطبعة ويغير الإمضاء إلى «م.ع» وكنت عندما أقرأ المقال فى اليوم الثانى أفاجأ بالتغيير فأغضب مما حدث،
وعندما أذهب للتعرف على حقيقة ما حدث أعرف أنه أنيس، كنت أقول له «يا أخى يعنى إنت مستكتر علىَّ حتى الحرف»، وكان يضحك وأنا أضحك من أعماله الجهنمية، وهنا يغوص مصطفى محمود فى موجة من الضحك، ويقول: أنيس منصور من الشخصيات التى اتفقت معى فى بعض أفكارى وهو من أصدقائى الذين أحببتهم منذ بداية عملى الصحفى فى جريدة «المسائية» وهى الجريدة التى أنشأها كامل الشناوى وفى بداية إنشائها استقلت من «آخر ساعة»، وذهبتُ معه أنا ومجموعة من الأصدقاء وهذه الجريدة لم تستمر أكثر من شهر،
وفى هذه الفترة كان كامل الشناوى دائم القول بشأنى وبشأن يوسف إدريس «إنتم مش طلبة كلية الطب.. إنتم طلبة كلية طب الجميلة»، فى إشارة لكلية الفنون الجميلة، وأتذكر الشناوى رحمه الله، وكأننى أشاهده أمامى، وهو يضحك عندما ذهبت إليه فى يوم من الأيام لأدعوه لحضور حفل تخرجى فى كلية الطب، وكان يقول «بقيت دكتور؟ مش معقول.. أنا مش مصدق.. صحيح الروشتة اللى كتبتها مرة لأبوالعنين وكان أحد أصدقائنا وراح يصرفها وجد أنها أمواس حلاقة» ولبى دعوتى وحضر حفل التخرج فى كلية الطب
وكان يقول وهو يضحك أنا مُصّر إن الموضوع ممكن يطلع نكتة صحفية كما أننى أثناء عملى فى مجلة «صباح الخير» قمت بتأليف رواية «المستحيل» ونشرتها حلقات مسلسلة وزرت بعد ذلك كامل الشناوى فى مكتبه فقال لى متى سنقرأ الرواية كاملة فى كتاب فقال عندما نجد الناشر لأن الناشرين فى تلك الفترة كانوا لا يدفعون مبالغ مجزية لأن القراء كانوا يفضلون قراءة الصحف والمجلات أكثر من الكتب وقد سبق أن قمت بطباعة كتب على نفقتى الخاصة.
وواكب تخرجى أحداث ثورة يوليو ٥٢ وصدور مجلة التحرير وكان يرأس تحريرها ثروت عكاشة وبدأت أكتب بها وكان يكتب معنا حسن فؤاد ومجموعة كبيرة من الرسامين والأدباء الذين جمعتنى بهم صداقة متينة بعد ذلك ولا أستطيع أن أقول إن عملى بالصحف مع كامل الشناوى فى الصحيفة المسائية التى لم تستمر كما ذكرت أكثر من شهر أو فى آخر ساعة إلا أنه كان عملاً مؤقتاً فى بلاط صاحبة الجلالة، إنما بدأ عملى الفعلى بالصحافة فى «مجلة التحرير»
وفى التوقيت نفسه بدأت أمارس مهنة الطب فى بعض المستشفيات الصغيرة إلى أن استقر بى الحال فى مصحة ألماظة للحميات التى هيأ لى العمل بها إلى العزلة لموقعها الجغرافى آنذاك كان فى الصحراء التى تتسم بالهدوء والتأمل وكانت كل هذه الظروف داعية لأن يولد الأديب والمفكر والفيلسوف الكامن بداخلى فخرج فى أول أعمالى «الله والإنسان» الذى أثار جدلاً واسعاً سنتكلم عنه بالتفصيل فى حلقة قادمة وداخل هدوء الصحراء وبين عنابر المرضى خرج كتابى «عنبر ٧» وبين رائحة المرض والأدوية والدم خرج كتابى «رائحة الدم» وكذلك كتب «أكل عيش» و«شلة الأنس» و«العنكبوت و«لغز الموت»...


يتابع


__________________
لـــــــــــيــــــــــــــــه......؟؟؟؟؟

التعديل الأخير تم بواسطة Silver ; 2010-01-16 الساعة 01:28 AM
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 2010-01-16, 12:31 AM
الصورة الرمزية ملاك الروح
ملاك الروح ملاك الروح غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
الدولة: مصـــ المنصوره ــر
المشاركات: 1,486
ملاك الروح is on a distinguished road
افتراضي

تسلم وبالتوفيق
وبجد مصطفي محمود من الشخصيات العظيمه والرائعه
ننتظر منك المزيد من المذكرات
بالتوفيق
__________________
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 2010-01-18, 08:52 PM
لمحه حب لمحه حب غير متواجد حالياً
مشرفه دنيا الماكولات والمشروبات
 
تاريخ التسجيل: Jun 2009
المشاركات: 3,384
لمحه حب is on a distinguished road
افتراضي

يعطيك العافيه ومنتظرين
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
...., مذكرات, محمود, مصطفي

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
ورحل محمود درويش!!! -=(Lonley Girl)=- المنتدى العام 4 2008-08-12 10:48 PM


الساعة الآن 09:40 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By World 4Arab
www.q8-one.com